القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
شرح نظم البرهانية
69462 مشاهدة
الحق الرابع: الوصايا

فإذا أوفينا الديون بدأنا بعد ذلك بالوصايا. إذا كان قد أوصى في حياته، قال: أوصي لفلان بألف بعد موتي. أوصي لفلان بخمسة آلاف. وأشباه ذلك.. الوصايا تعتبر تبرعًا منه؛ ولكن تلزم إذا كانت أقل من الثلث أو الثلث فأقل ولم تكن لوارث.
ورد ذكرها في القرآن؛ ولكن نسخ إطلاقها قبل نزول آية المواريث. كان الرجل إذا حضره الموت يقول: أعطوا والدي من تركتي كذا، وأعطوا والدتي كذا، وأعطوا أخي كذا، أعطوا ابني الأكبر كذا. فيقسمها عملًا بقول الله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا يعني: مالًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ بدأ بالوالدين ثم بالأقربين؛ وذلك لأنهم كانوا يجعلون المال كله للأولاد، ويوصون للوالدين وللإخوة وللأقارب؛ فلما ذكر الله نصيب الوالدين اكتُفِي بنصيبهما من التركة، فجاء الحديث الذي قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه؛ فلا وصية لوارث لا وصية لوارث يعني: من كان وارثًا اكتفى بنصيبه. الوالدان يرثان بكل حال، والزوجة ترث أو الزوج يرث من زوجته ما يسقط بحال، والأولاد -ذكورًا وإناثًا- يرثون؛ فلذلك لا يوصي لهم. يوصي لمن ليس بوارث، إذا كان له إخوة أو أخوات محجوبون يوصي لهم بموجب -مثلًا- صداقة أو مودة أو محبة؛ يوصي لهم بما يكون كفيلًا بذلك؛ بما يكفيهم. فأما الوصية للوارث فإنه يكفيه نصيبه من الإرث، فتقدم الوصايا إذا كانت الثلث أو أقل؛ تعطى للموصى لهم.
ولا يجوز أن يوصي بأكثر من الثلث إلا بإجازة الورثة. ورد في حديث إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في أعمالكم .
فإذا أوصى بثلثه فإنه ينفَّذ، واستحب بعض الصحابة الاقتصار على الخُمس، أوصى أبو بكر -رضي الله عنه- بالخُمس وقال: رضيت لنفسي بما رضي الله –تعالى- لنفسه في قوله تعالى: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وروي عن ابن عباس قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الثلث والثلث كثير لما قال سعد بن أبي وقاص أتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قال: فالشطر؟ قال: لا. قال: فالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير فيقول: لو أنهم غضوا عن الثلث إلى الربع؛ لكن يختلف هذا.. فمن كان ورثته فقراء وماله قليل؛ فالأولى له أن يتركه كله لورثته؛ لأنهم أولى به. ومن كان ورثته أغنياء جاز له في حياته أن يتصدق بكل ماله؛ إذا كان ورثته أغنياء وهو حي. وأما عند مرض موته فإن الحقوق تعلقت بالتركة -حقوق الورثة- ففي هذه الحال.. لا يوصي بأكثر من الثلث إلا بإجازة الورثة.
إذا أوصى في مرض موته بشيء من التبرعات، أو بشيء من التركة لأحد الورثة فلا ينفذ إلا بإجازة الورثة. وكذلك أوصى بأكثر من الثلث فلا ينفذ إلا بإجازة الورثة ما زاد على الثلث؛ فإذا نُفِّذت الوصية بعد ذلك قُسِمَ الباقي على الورثة على حسب ميراثهم -كما في هذا النظم وغيره-.